الخميس، 3 ديسمبر 2015

الشخصية عواملها و نظرياتها:

الإنسان حيوان اجتماعي بالفطرة ، ويشترك الإنسان مع غيره من الحيوانات ويختلف عنهم في بعض الخصائص ، وانقسم العلماء في أرائهم لمحددات الشخصية إلى اتجاهين رئيسيين :

1-الاتجاه البيولوجي :

يؤكد علماء هذا الاتجاه أن العوامل البيولوجية الوراثية هي العوامل الأساسية المحددة للشخصية ، فالفرد يرث شخصيته مثلما يرث لون بشره وطول القامة من أهله وأجداده .
وأن الخصائص البيولوجية للإنسان تطورت بسبب تكيفها مع البيئة من خلال عملية الانتخاب الطبيعي ( أي : تخلى الإنسان عن بعض الصفات واكتسابه لبعض الصفات التي تساعده على التكيف مع البيئة ثم نقل هذه الصفات للأجيال اللاحقة من خلال العمليات الوراثية ) ، ويمكن تحديد دور العامل البيولوجي في الشخصية إلى عاملين فرعيين:

•        العامل الوراثي 

بمعنى أن جزءا كبيرا من الشخصية يرجع لعوامل ورائية ورثها الإنسان عن أجداده  ، ويؤكد( داروين) أن الخصائص العقلية ( كالذكاء والقدرات العقلية والمزاجية وغيرها )  والجسمية ( كلون البشرة وطول القامة وشكل الشعر والعين .... الخ ) على حد سواء موروثة وأنها تطورت من خلال فقد واكتساب بعض الخصائص التي تورثها عبر الأجيال .
وقد تأثر كثير من العلماء بآراء داروين مثل : (فرانسيس جالتون)، (ليرنر)، (مندل)  المشهور بقانون الوراثة ... وغيرهم .

•        العامل الفسيولوجي   

يتكون الإنسان من مجموعة من الغدد الصماء ( كالغدة الدرقية ، والنخامية والبنكرياسية والجنسية ) وتؤثر الهرمونات التي تفرزها هذه الغدد في سلوك الإنسان ، وفي حالة حدوث خلل أو اضطراب في وظائف هذه الغدد يتأثر نمو الفرد وسلوكه ونشاطه وطريقة تفكيره .
ويمكن للعوامل الفسيولوجية أن تؤثر على الإنسان بشكل غير مباشر من خلال اضطراب الغدد أو من خلال إصابة الإنسان بعاهة مستديمة ، فان هذه الإصابة يمكن أن تؤثر على شخصية الفرد وعلى نظرته لنفسه وعلى علاقته بالآخرين.( فالفرد الذي وقع له حادث وفقد أحد رجليه فان ذلك يمكن أن يؤثر على علاقاته بالآخرين وتجعله ينطوي ويبتعد عنهم.)

2-الاتجاه الاجتماعي :

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الشخصية مكتسبة ، وأن العوامل والمواقف الاجتماعية التي يمر بها الفرد هى التي تحدد نمط شخصيته ، أي أن المجتمع هو الذي يحدد ملامح شخصية الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية كما يقول ( دور كايم )
وأكد العالم ( واطسن ) على انه إذا ما توافرت الإمكانات والوسائل الفنية فمن الممكن توجيه الطفل للمهنة التي ترغب بها الجماعة ؛ فطبيعة الطفل مرنة وطيعة ويمكن تشكيل شخصيته في أي صورة تختارها الأسرة .
تعليق
 من خلال العرض السابق لمحددات الشخصية يتضح أن العلماء انقسموا إلى فريقين  : علماء الوراثة وعلماء البيئة ، وحاول كل منهم الدفاع عن وجهة نظره وبيان أهميتها والتقليل من رأى الفريق الآخر.
والحقيقة أن هناك مجموعة كبيرة من العوامل يمكن الرجوع إليها في تفسير شخصية معينة ، وهذه العوامل تجمع بين العوامل الوراثية والبيئية معا ، ولذا فانه ليس مقبولا أن نرجع محددات  الشخصية وسماتها  إلى الوراثة وحدها أو البيئة وحدها فهما متضامنتان معا منذ بداية الحياة ومن تفاعلهما تظهر السمات الجسمية والبيولوجية للشخصية  . ويمكننا القول أن الشخصية هى انعكاس للعوامل الوراثية و البيئية معا .
العوامل الاجتماعية المحددة لشخصية الفرد
هناك عوامل اجتماعية كثيرة  تؤثر على شخصية الفرد، ومن أهم هذه العوامل ما يلي :

أولا : المؤسسات الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد

ينتمي كل منا إلى مجموعة من المؤسسات الاجتماعية الهامة التي تلعب دورا مهما في تشكيل شخصياتنا ، ومن أهم هذه المؤسسات :
الأسرة : هى الوسط الاجتماعي الأول الذي يتلقى الطفل ويتعهده بالرعاية والاهتمام ، وهى المؤسسة المسئولة عن توفير احتياجات الطفل المادية والمعنوية والاجتماعية ، كما أنها المؤسسة الأولى تُكسب الطفل ثقافة المجتمع وترسم ملامح شخصية الفرد .
•   المدرسة : تكمل المدرسة دور الأسرة حيث يبدأ الطفل في الانفصال تدريجيا عن أسرته ويبدأ في توسيع دائرة علاقاته الاجتماعية من خلال المدرسة ، والمدرسة تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الفرد من خلال توسيع مدارك الطالب ، وتزويده بالمعارف المختلفة ، وتساعده ، ومعرفة ثقافة المجتمع ، كما تساعده في تشكيل طريقة تفكيره ونظرته للأمور وتحليلها ، فجزء كبير من شخصية الفرد يتكون داخل جدران المدرسة .
جماعة الرفاق ( الأصدقاء ) : الإنسان اجتماعي  بطبعه لا يستغنى عن مخالطة الرفاق، والرفاق لهم دور هام في التأثير على الفرد وخصوصا في مرحلة المراهقة حيث ينفصل الطفل تدريجيا عن الوالدين ، ويحرص على قضاء أكبر وقت مع أصدقائه ويتحدث معهم في مشكلاته وتجاربه ... الخ ؛  وللأصدقاء أهمية كبيرة في حياة الفرد ويتأثر بهم وبأخلاقهم ومبادئهم ، و يحثنا الاسلام على اختيار الصديق الصالح والبعد عن أصدقاء السوء ؛ قال الله تعالى :" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" المرء  على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "  ؛ فالفرد الذي ينتمي إلى مجموعة متهورة ومنحرفة سيكون مثلهم  والعكس صحيح . وكما يقولون الطيور على أشكالها تقع
الطبقة الاجتماعية:  تلعب دورا هاما في تحديد ملامح شخصية الفرد ، فكل فرد ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة ، وهذه الطبقة قد تكون موروثة أو مكتسبة ، ولكل طبقة اجتماعية ثقافتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها التي تختلف عن الأخرى .  ويكتسب الفرد بشكل تلقائي ثقافة الطبقة التي ينتمي إليها .

 ثانيا : الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الفرد

يحتل كل منا عدة مراكز اجتماعية ، وكل مركز يفرض علينا أدوا معينة ينبغي على الفرد القيام بها ، فالمرأة قد تكون زوجة وأم وابنه وخاله وعمه وموظفه ، وكل دور من هذه الأدوار له حقوق وواجبات ينبغي على الفرد القيام بها .
وجدير بالذكر أن الأدوار الاجتماعية ليست واحده في كل المجتمعات ، فثقافة المجتمع هي التي تحدد المراكز والأدوار في هذا المجتمع ، والفرد يكتسب هذه الأدوار من الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ؛ فدور الزوجة في الشرق يختلف عن دورها في الأسرة الغربية.
ولا شك أن شخصية الفرد تتأثر بالمراكز التي يحتلها في المجتمع والأدوار المتوقع القيام بها ؛ فالفرد مجبر على الالتزام بمتطلبات المركز الذي يشغله حتى لا يتعرض لنقد المجتمع ، وكلما نجح الفرد في أداء الأدوار المطلوبة منه وفق توقعات المجتمع حظي برضى واستحسان  الجماعة التي ينتمي إليها
وهكذا فان قيامنا بالأدوار ما هو إلا الشكل الخارجي للشخصية ، وليس بالضرورة أن تطابق السمات الخارجية للشخصية مع السمات الداخلية .

ثالثا : المواقف والخبرات التي يمر بها الفرد

يمر كل فرد في حياته بالعديد من المواقف والخبرات سواء الجيدة أو السيئة ، وتترك هذه المواقف والخبرات آثارها على شخصياتنا .
ويؤكد علماء النفس على أهمية المواقف التي يتعرض لها الفرد في السنوات الخمس الأولى من حياته على تكوين الشخصية ؛ فالطفل الذي يتعرض لمواقف قاسية أو لعنف أسري  في سنواته الأولى يؤثر ذلك على شخصيته وتخلق منه شخصية عدوانية ومضطربة ، كما يؤثر على نظرته لنفسه وعلى الناس من حوله .
وهناك بعض المواقف الأسرية التي تترك أثرا عميقا على شخصية الأفراد ؛ فغياب أحد الوالدين نتيجة الوفاة أو الطلاق يغير مجرى حياة الأسرة ، وقد يدفع أحد الأبناء للعمل في سن مبكرة لإعانة إخوانه ، كما أنه قد يغير من توزيع الأدوار والمسئوليات داخل الأسرة ، فتضطر الأم أو الأب للقيام بالدورين معا، ويتحمل الأبناء مسئولية أكبر في حالة غياب أحد الوالدين .

نظريات الشخصية:

هناك عدد من النظريات حاولت تفسير نشأة الشخصية وتطورها ، ومن أهمها ما يلي:

 أولا : نظرية التحليل النفسي :

صاحب هذه النظرية (سيجموند فرويد) وهو من أوائل العلماء الذين اهتموا بدراسة الشخصية والعوامل المؤثرة فيها ويطلق عليه ( أبو التحليل النفسي ).
ويؤكد (فرويد) على أن شخصية الفرد تتكون وتتشكل في السنوات الأولى فقط من حياته ، أما ما يتعرض له الفرد فيما بعد من خبرات ومواقف فتأثيرها ثانوي في تشكيل الشخصية ، فعناصر الشخصية تعود برمتها الى مرحلة الطفولة ؛ فالطفل يولد ولديه مجموعة من الغرائز والنزوات التي يسعى الى اشباعها والتي قد تهدد استقرار المجتمع ، وهنا تأتى أهمية التنشئة الاجتماعية والتي تعمل على تحقيق التوازن بين هذه النزوات والمجتمع وتحولها الى اشكال مقبولة اجتماعيا . ولذا فان التنشئة الاجتماعية تعرف بأنها : العملية التي يستطيع بمقتضاها الأفراد من كبح نزواتهم وتنظيمها وفق متطلبات ونظم  المجتمع السائدة وحتى لا يؤدى اشباع نزواتهم للإضرار بالأخرين وبسلامة المجتمع .
ويرى  فرويد أن الشخصية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية  هي :
الهو : وهو ذلك الجزء من الشخصية الذي يعكس جميع الرغبات البيولوجية والعزيزية لدى الانسان ، وهذه الرغبات لا تترك هكذا بل يقوم المجتمع بتهذيبها وجعلها في شكل مقبول اجتماعيا من خلال تعويد الطفل على نظام معين للأكل واللعب والثواب  والعقاب ... الخ ، فيتعلم الطفل من خلال (الأنا) كيفية السيطرة على غرائزه وشهواته.
الأنا : وهو وسيط بين (الهو) والعالم الخارجي، وهو الجزء المنطقي ( الواقعي ) من الشخصية الذي يعمل على التحكم في نزعات ومطالب الهو ويحاول ايجاد حلول عملية لإشباعها  وفقا للواقع والظروف الاجتماعية.
الأنا الأعلى: (الضمير) ؛ ويشمل جميع القيم والمعايير الأخلاقية التي يكتسبها الطفل من المجتمع المحيط به ، وكلما كانت هذه المعايير قوية كلما كان لها دور كبير في السيطرة على  رغبات الفرد. فإذا استطاع (الأنا) أن يوازن بين (الهو) و (الأنا الأعلى) عاش الفرد متوافقا ،أما إذا تغلب أحدهما على الشخصية أدى ذلك إلى اضطرابها .

ثانيا  : نظرية الصراع:

ترتكز هذه النظرية على مبدأ الخطيئة ، ويعتقد أصحابها ان الانسان لديه طبيعة فاسدة وشريرة ، وأن هذه الطبيعة الشريرة تتعارض مع متطلبات الجماعة التي ينتمى اليها الطفل ، وهنا يأتي دور التنشئة الاجتماعية في كبح جماح الفرد وتهذيب نزعاته الحيوانية .
ويرى علماء نظرية الصراع أن الصراع ينشا أثناء عملية التنشئة الاجتماعية ومحاولة الآباء كبح نزعات الطفل وتهذيبها ، فيحدث نوع من الصراع بين رغبات الطفل في إشباع نزعاته وبين رغبة الوالدين في تربية الطفل وتعليمه كيفية التكيف مع مجتمعه .

 ثالثا : نظرية النمو المعرفي

وتركز هذه النظرية على العمليات المعرفية الشعورية ؛ كالإحساس ، والانتباه ، والادراك ... الخ  . وأهم علماء هذه النظرية ( جان بياجيه ) الذي ركز على طبيعة تفكير الأطفال ، وبالذات التفكير المثالي لدى الطفل وكيفية ادراكه للأشياء وللصواب والخطأ ، ويري (جان بياجيه) ان فهم الطفل للعالم من حوله يمر بأربعة مراحل
المرحلة الحسية الحركية : تمتد منذ الميلاد وحتى سنتين من عمره ، وفيها يتعرف الطفل على كل شيء من حوله عن طريق الحواس كاللمس أو المص أو النظر ، وفي نهاية المرحلة يمكنه معرفة بعض الرموز ونطق بعض الكلمات البسيطة .
المرحلة قبل الاجرائية : تمتد من (2- 7 ) سنوات ، وفيها تنمو قدرة الطفل على استخدام الرموز اللغوية ، وتزداد حصيلته اللغوية ويستطيع تكوين جمل من كلمتين الى اربع كلمات . وأهم ما يميز هذه المرحلة : التفكير الرمزي (الخرافي )، واللعب الايهامى ، واللامنطقية ، والتطور اللغوي ، والتمركز حول الذات ، والخيال الخصب .
مرحلة العمليات الحسية : تمتد من (7 – 11) سنة ، يصبح الطفل فيها قادرا على اجراء العمليات المعقدة ، التفكير المنطقي ، ويعتمد على المحاولة والخطأ في حل المشكلات.
مرحلة العمليات الصورية : تبدأ من (11- 15) وتستمر طيلة الحياة ، وفيها ينتقل الطفل في تفكيره من عالم المحسوس الى عالم المعقول ، ويتجاوز الخبرات الحسية الى الخبرات المجردة ، ويتطور تفكيره وينظم أفكاره تفسيراته عن العالم من حوله .

  رابعا  : نظرية الذات

يرى علماء هذه النظرية ان التنشئة الاجتماعية تلعب دورا هاما في نظرة الطفل لنفسه ؛ فالطفل يستمد صورته لنفسه من خلال تفاعله المستمر مع الوالدين أو من ينوب عنهم  ، فالذات هي محصلة الخبرات التي يكتسبها الطفل خلال السنوات الخمس الأولى ؛ فالنظرة الايجابية للوالدين نحو الطفل تكون صورة جيدة للطفل عن ذاته ، والعكس صحيح فالمعاملة السلبية تكون صورة سلبية للطفل عن ذاته .
ومفهوم الذات يقصد به : " الشعور بكينونة الفرد والوعي بها " أو " مفهوم افتراضي يتضمن جميع الأفكار والمشاعر عند الفرد التي تعبر عن خصائص جسمه وعقله وشخصيته .
ويعتبر ( وليم جيمس ) من أهم العلماء الذين تحدثوا عن الذات ، وميز بين ثلاثة أنواع منها :
الذات الواقعية : جميع التصورات التي تحدد خصائص الذات على أرض الواقع وما يمتلك الفرد من جسم ومظهر وقيم ومعتقدات وطموحات .
الذات المثالية : الحالة التي يتمنى أن يكون عليها الفرد من الناحية الجسمية أو النفسية.
الذات الاجتماعية :تشير إلى تصور الفرد لتقييم الآخرين له معتمدا على أقوالهم وأفعالهم

 خامسا  : النظرية التفاعلية الرمزية

أسهم كل من (جورج سميل) و ( وليم توماس) في تحديد  دعائم  النظرية التفاعلية الرمزية، وأكد ( وليم توماس) على أهمية تعريف الموقف ؛ فهو يرى أن الفرد لديه القدرة على تجاهل غرائزه ورغباته التي نشأ عليها في مقتبل حياته ، فالإنسان ليس عبدا لغرائزه ويمكنه السيطرة عليها وتوجيهها ، وذلك يعتمد على الموقف الذي هو فيه.
ويرى (توماس) ان الرموز هي اشارات أو ايماءات يقوم بها الفرد ولها معان معينة لدى الآخرين ، وثقافة كل مجتمع مليئة بالرموز التي تنظم العلاقة بين الأفراد ، ويكتسب الفرد تفسيرات هذه الرموز من خلال عملية التفاعل الاجتماعي ( تعامله مع الآخرين ) ، وتلعب الاشارات دورا مهما في حياة الأفراد فلها معان واحدة لدى جميع أفراد المجتمع ، وهى التي تجعل استجاباتهم واحدة في الموقف الواحد، وقد تختلف معانى الاشارات من مجتمع لآخر ؛ فالمسافر إلى بلد غريب يجد صعوبة في فهم معنى الاشارات. فالرموز هى لغة غير منطوقة متعارف عليها بين ابناء المجتمع الواحد.  ( رفع اليد قد يكون للتحية أو للنصر )


و للوصول السريع لشرح دروس عن الشخصية والدروس الخاصة بمادة علم النفس لطلبة الصف الثالث الثانوى أرجو التواصل معى على صفحتى الشخصية: