العوامل المحددة للشخصية

العوامل المحددة للشخصيّة:

الإنسان حيوان اجتماعي بالفطرة ، ويشترك الإنسان مع غيره من الحيوانات ويختلف عنهم في بعض الخصائص ، وانقسم العلماء في أرائهم لمحددات الشخصية إلى اتجاهين رئيسيين :

1-الاتجاه البيولوجي :

يؤكد علماء هذا الاتجاه أن العوامل البيولوجية الوراثية هي العوامل الأساسية المحددة للشخصية ، فالفرد يرث شخصيته مثلما يرث لون بشره وطول القامة من أهله وأجداده .
وأن الخصائص البيولوجية للإنسان تطورت بسبب تكيفها مع البيئة من خلال عملية الانتخاب الطبيعي ( أي : تخلى الإنسان عن بعض الصفات واكتسابه لبعض الصفات التي تساعده على التكيف مع البيئة ثم نقل هذه الصفات للأجيال اللاحقة من خلال العمليات الوراثية ) ، ويمكن تحديد دور العامل البيولوجي في الشخصية إلى عاملين فرعيين:

•        العامل الوراثي 

بمعنى أن جزءا كبيرا من الشخصية يرجع لعوامل ورائية ورثها الإنسان عن أجداده  ، ويؤكد( داروين) أن الخصائص العقلية ( كالذكاء والقدرات العقلية والمزاجية وغيرها )  والجسمية ( كلون البشرة وطول القامة وشكل الشعر والعين .... الخ ) على حد سواء موروثة وأنها تطورت من خلال فقد واكتساب بعض الخصائص التي تورثها عبر الأجيال .
وقد تأثر كثير من العلماء بآراء داروين مثل : (فرانسيس جالتون)، (ليرنر)، (مندل)  المشهور بقانون الوراثة ... وغيرهم .

•        العامل الفسيولوجي   

يتكون الإنسان من مجموعة من الغدد الصماء ( كالغدة الدرقية ، والنخامية والبنكرياسية والجنسية ) وتؤثر الهرمونات التي تفرزها هذه الغدد في سلوك الإنسان ، وفي حالة حدوث خلل أو اضطراب في وظائف هذه الغدد يتأثر نمو الفرد وسلوكه ونشاطه وطريقة تفكيره .
ويمكن للعوامل الفسيولوجية أن تؤثر على الإنسان بشكل غير مباشر من خلال اضطراب الغدد أو من خلال إصابة الإنسان بعاهة مستديمة ، فان هذه الإصابة يمكن أن تؤثر على شخصية الفرد وعلى نظرته لنفسه وعلى علاقته بالآخرين.( فالفرد الذي وقع له حادث وفقد أحد رجليه فان ذلك يمكن أن يؤثر على علاقاته بالآخرين وتجعله ينطوي ويبتعد عنهم.)

2-الاتجاه الاجتماعي :

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الشخصية مكتسبة ، وأن العوامل والمواقف الاجتماعية التي يمر بها الفرد هى التي تحدد نمط شخصيته ، أي أن المجتمع هو الذي يحدد ملامح شخصية الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية كما يقول ( دور كايم )
وأكد العالم ( واطسن ) على انه إذا ما توافرت الإمكانات والوسائل الفنية فمن الممكن توجيه الطفل للمهنة التي ترغب بها الجماعة ؛ فطبيعة الطفل مرنة وطيعة ويمكن تشكيل شخصيته في أي صورة تختارها الأسرة .
تعليق
 من خلال العرض السابق لمحددات الشخصية يتضح أن العلماء انقسموا إلى فريقين  : علماء الوراثة وعلماء البيئة ، وحاول كل منهم الدفاع عن وجهة نظره وبيان أهميتها والتقليل من رأى الفريق الآخر.
والحقيقة أن هناك مجموعة كبيرة من العوامل يمكن الرجوع إليها في تفسير شخصية معينة ، وهذه العوامل تجمع بين العوامل الوراثية والبيئية معا ، ولذا فانه ليس مقبولا أن نرجع محددات  الشخصية وسماتها  إلى الوراثة وحدها أو البيئة وحدها فهما متضامنتان معا منذ بداية الحياة ومن تفاعلهما تظهر السمات الجسمية والبيولوجية للشخصية  . ويمكننا القول أن الشخصية هى انعكاس للعوامل الوراثية و البيئية معا .

العوامل الاجتماعية المحددة لشخصية الفردهناك عوامل اجتماعية كثيرة  تؤثر على شخصية الفرد، ومن أهم هذه العوامل ما يلي :

أولا : المؤسسات الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد

ينتمي كل منا إلى مجموعة من المؤسسات الاجتماعية الهامة التي تلعب دورا مهما في تشكيل شخصياتنا ، ومن أهم هذه المؤسسات :
الأسرة : هى الوسط الاجتماعي الأول الذي يتلقى الطفل ويتعهده بالرعاية والاهتمام ، وهى المؤسسة المسئولة عن توفير احتياجات الطفل المادية والمعنوية والاجتماعية ، كما أنها المؤسسة الأولى تُكسب الطفل ثقافة المجتمع وترسم ملامح شخصية الفرد .
•   المدرسة : تكمل المدرسة دور الأسرة حيث يبدأ الطفل في الانفصال تدريجيا عن أسرته ويبدأ في توسيع دائرة علاقاته الاجتماعية من خلال المدرسة ، والمدرسة تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الفرد من خلال توسيع مدارك الطالب ، وتزويده بالمعارف المختلفة ، وتساعده ، ومعرفة ثقافة المجتمع ، كما تساعده في تشكيل طريقة تفكيره ونظرته للأمور وتحليلها ، فجزء كبير من شخصية الفرد يتكون داخل جدران المدرسة .
جماعة الرفاق ( الأصدقاء ) : الإنسان اجتماعي  بطبعه لا يستغنى عن مخالطة الرفاق، والرفاق لهم دور هام في التأثير على الفرد وخصوصا في مرحلة المراهقة حيث ينفصل الطفل تدريجيا عن الوالدين ، ويحرص على قضاء أكبر وقت مع أصدقائه ويتحدث معهم في مشكلاته وتجاربه ... الخ ؛  وللأصدقاء أهمية كبيرة في حياة الفرد ويتأثر بهم وبأخلاقهم ومبادئهم ، و يحثنا الاسلام على اختيار الصديق الصالح والبعد عن أصدقاء السوء ؛ قال الله تعالى :" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:" المرء  على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "  ؛ فالفرد الذي ينتمي إلى مجموعة متهورة ومنحرفة سيكون مثلهم  والعكس صحيح . وكما يقولون الطيور على أشكالها تقع
الطبقة الاجتماعية:  تلعب دورا هاما في تحديد ملامح شخصية الفرد ، فكل فرد ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة ، وهذه الطبقة قد تكون موروثة أو مكتسبة ، ولكل طبقة اجتماعية ثقافتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها التي تختلف عن الأخرى .  ويكتسب الفرد بشكل تلقائي ثقافة الطبقة التي ينتمي إليها .

 ثانيا : الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الفرد

يحتل كل منا عدة مراكز اجتماعية ، وكل مركز يفرض علينا أدوا معينة ينبغي على الفرد القيام بها ، فالمرأة قد تكون زوجة وأم وابنه وخاله وعمه وموظفه ، وكل دور من هذه الأدوار له حقوق وواجبات ينبغي على الفرد القيام بها .
وجدير بالذكر أن الأدوار الاجتماعية ليست واحده في كل المجتمعات ، فثقافة المجتمع هي التي تحدد المراكز والأدوار في هذا المجتمع ، والفرد يكتسب هذه الأدوار من الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ؛ فدور الزوجة في الشرق يختلف عن دورها في الأسرة الغربية.
ولا شك أن شخصية الفرد تتأثر بالمراكز التي يحتلها في المجتمع والأدوار المتوقع القيام بها ؛ فالفرد مجبر على الالتزام بمتطلبات المركز الذي يشغله حتى لا يتعرض لنقد المجتمع ، وكلما نجح الفرد في أداء الأدوار المطلوبة منه وفق توقعات المجتمع حظي برضى واستحسان  الجماعة التي ينتمي إليها
وهكذا فان قيامنا بالأدوار ما هو إلا الشكل الخارجي للشخصية ، وليس بالضرورة أن تطابق السمات الخارجية للشخصية مع السمات الداخلية .

ثالثا : المواقف والخبرات التي يمر بها الفرد

يمر كل فرد في حياته بالعديد من المواقف والخبرات سواء الجيدة أو السيئة ، وتترك هذه المواقف والخبرات آثارها على شخصياتنا .
ويؤكد علماء النفس على أهمية المواقف التي يتعرض لها الفرد في السنوات الخمس الأولى من حياته على تكوين الشخصية ؛ فالطفل الذي يتعرض لمواقف قاسية أو لعنف أسري  في سنواته الأولى يؤثر ذلك على شخصيته وتخلق منه شخصية عدوانية ومضطربة ، كما يؤثر على نظرته لنفسه وعلى الناس من حوله .
وهناك بعض المواقف الأسرية التي تترك أثرا عميقا على شخصية الأفراد ؛ فغياب أحد الوالدين نتيجة الوفاة أو الطلاق يغير مجرى حياة الأسرة ، وقد يدفع أحد الأبناء للعمل في سن مبكرة لإعانة إخوانه ، كما أنه قد يغير من توزيع الأدوار والمسئوليات داخل الأسرة ، فتضطر الأم أو الأب للقيام بالدورين معا، ويتحمل الأبناء مسئولية أكبر في حالة غياب أحد الوالدين .








هناك تعليق واحد: